تعديل

تسعه فنانين يستنطقون الشعر والذاكرة


سبعة فنانين يستنطقون الشعر والذاكرة

Sun, 03 مارس 2013
تغطية : هدى حمد -
بمشاركة 9 من الفنانين البارزين في السلطنة في مقدمتهم أنور سونيا وحسن مير ومنى البيتية وبدور الريامية ويوسف النحوي وعدنان الرئيسي وفخر اتاج الإسماعيلية، افتتح المعرض الفني التشكيلي الذي حمل عنوان "مساقات الحروف"، والذي نظمته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء صباح الأمس، وذلك على هامش فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الثامن عشر في صالة "مسقط" بمبنى وزارة التعليم العالي بمرتفعات المطار. وذلك تحت رعاية صاحب السمو السيد تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد مساعد أمين عام مجلس البحث العلمي للتعاون الدولي.

دهشة وأسئلة
التقينا الفنان أنور سونيا الذي قدّم عملا واحدا، واحتل مساحة جيدة من المعرض، دار عمله الذي حدّثنا عنه حول الامتداد العمراني الحديث الذي طغى على شيء .. طغى على المساحات الخضراء، وطغى حتى على امتداد البحر الذي خُنق بالحجارة وبالرصف المستمر، طغى على الصحاري، وموطن الكائنات الأخرى، وفي منتصف اللوحة ينتصب الإنسان واقفا أمام الامتداد العمراني الذي طال السماء والأرض.. هذا الإنسان يُعطينا ظهره، وجملة من الأسئلة التي لا تنتهي حول مستقبل الحياة في السنوات المقبلة.
والجدير بالذكر أنّ سونيا فنان ذاع صيته في المنطقة العربية منذُ سنين طويلة، وهو من رواد ومؤسسي الفن التشكيلي في السلطنة، وصاحب تجربةٍ مليئةٍ بالدهشة والمغامرة والتجديد والاختزال، في لوحاته يعيش الإنسان في وفاقٍ حميم مع البيئة والطبيعة، كما أن لوحاته دائماً ما يضمخها باشتراكيةٍ لذيذةٍ بين الروح والجسد، متخذاً من التعبير الحر والانعتاق من التقليدية سبيلاً سريعاً للوصول إلى قلوب متأمليه، فهو صادقٌ في لوحته، وواقعيٌ، ومنذ العام 1980م وهو يسبر أغوار الدهشة والمكان بلا توقف.

جزء من الذاكرة
وكان لنا نصيب آخر بالاتقاء مع الفنان حسن مير الذي قدم لنا عملين حملا عنوان "المنزل القديم"، وهو الآخر لا يبتعد كثيرا عن موضوع الفنان أنور سونيا، إذ أنه مسكون بالخراب.. ذاك الذي حلّ بالبيوت العمانية القديمة، وربما أصاب الذاكرة أيضا.. تحكي لوحتاه عن بيت الجد الذي انتقل لرحمة الله، وبقي البيت مغلقا منذ عام 83 . وعندما عاد حسن مير لاحظ أن البيت المهجور يُوشك على التساقط.
داخل هذا البيت تعرّف حسن مير على جده بطريقة لم يعرفها من قبل، وذلك عندما عثر على كنز قديم.. كان الكنز عبارة عن جملة من الرسائل القديمة التي كان يتبادلها الجد مع اقربائه. هكذا ترك حسن مير خطوط الرسائل تنتشر على اللوحات.
يستعين حسن مير في هذا العمل بأبيات لشاعره المقرب والصديق سماء عيسى، فيورد هذا المقطع في إحدى اللوحتين: "تسقط أحجار المنزل القديم من البكاء"، وفي اللوحة الأخرى يستعين بمقطع آخر يقول فيه: "لا يحل خراب الأرض إلا حين يحل جفاف القلب".
يؤكد لنا حسن مير على أنّ الذكريات، والبيوت القديمة والرسائل وحتى الحكايات عندما تفلت من أيدينا لا يمكننا أن نسترجعها بسهولة.. لذا علينا التسمك قدر ما تستطيع بما لدينا لأنه جزء منا.
وإلى جوار ذلك يقدم حسن مير فيديو آرت، وهو عمل مركب تظهر فيه 3 شخصيات قام بتصويرها.. تمشي وتحكي بعفوية مطلقة دونما تخطيط، لمحاولة رصد التغييرات الاجتماعية التي أصابت حياتنا اليوم، وقد تمّ التصوير في مطرح.
ومن الجيد القول بأن.. الفنان حسن مير، هو أحد أعمدة المعرض الرئيسية المشاركة بقوة عبر لوحاته المليئة بالإثارة والتساؤل والبحث عن مسارات التأمل والتكوين والثراء اللوني والعمق الوجداني والبعد التقني الدائري، فهو مؤسس جماعة الفن المعاصر التي تهتم بتطوير الفنون المعاصرة والأعمال التجريبية في السلطنة، وجد من دراسته لفنون الميديا والرسم بالولايات المتحدة الأمريكية، مدخلاً أصيلاً لتعظيم موهبته والانتقال بها من الهواية إلى التخصص إلى الابتكار والتحديث والتأصيل، واصل بحثه عن أسئلة الطفولة وتجسيم الأشياء واستحضار "عفاريت الذاكرة".

بين الشرق والغرب
وتعد الفنانة منى البيتية فنانة متحررة من قيود التقليدية ومنطلقة دون حواجز نحو الجمال.. أعمالها حرة لا تحدها حدود، فهي في لوحاتها تنطلق إلى كل الفضاءات المشكلة للإبداع والجمال، كما اعتادت في كل لوحةٍ أن تقدم أفكاراً جديدة يقتنصها المتأمل للوحاتها. فهي تمنع عين المشاهد قوة انتقالية من العالم الحقيقي إلى عالمٍ آخر يطول فيه الخيال والانتشاء والدفء. وما يجعلها أكثر جمالاً وإشراقاً هي الروح الشرقية التي تسكن أعماقها فتطفح بها مدلولات لوحاتها رغم سنينها التي قضتها في باريس وغيرها من العواصم الأوروبية، فلم تنزل الحضارة الغربية من وهج شرقيتها إلا ما جمّل وزيّن ونضج أفكارها، وإن كانت في جميع حالاتها لا تأتي إلا بجمال الشرق وعذوبة الغرب.
حب إلى مطرح
وتستعير الفنانة بدور الريامية أشعار الشاعر العماني 
1362231060042703900
سيف الرحبي "قصيدة حب إلى مطرح"، لتتداخل مع لوحاتها التي تذهب إلى مطرح، حيث تطالعنا وجوه عدد من النساء المعروفات ممن لهن علاقة بالفن والكتابة، وهن يرتدين الملابس العمانية التقليدية، ويتزين بـ "الليسو"، نرقب في أعينهن تلك النظرة القوية التي لا تخلو من حزن عميق على ماض تطويه السنين وتمضي.. ومن خلفهن تظهر البيوت القديمة التي هجرها أهلها، وذهبوا إلى حياة أخرى.
تكبر المتضادات في أعمال الريامية فنرى امرأة تحمل عجلة دراجة هوائية، وأخرى تحمل "قلبا ورديا" ملونا، وكأنها تعبر لنا عن التضادات التي نعايشها في واقعنا.. بين ما نحتفظ به من ذكريات جميلة، وبين ما يقفز في حياتنا اليومية من مستجدات الحياة.
والجدير بالذكر أنّ الريامية كثيرا ما تجعل للمكان والكلمة والعمل إحساساً حقيقياً متعاظماً في ذائقة المتلقي ومتكاثفاً في الحضور الطاغي للجمال الذاتي، فن الدائرة والفيديو أرت والمزيج بين فنونٍ متداخلة وألوانٍ متشابكةٍ.الجميل أيضاً في الروح الولّادة داخل الصورة وإطار اللوحة عند بدور هو الشعور المتواصل بأنها تمتلك إمكاناتٍ مهولة، وأن الرغبة في تفجير طاقاتٍ أكبر تظل ماثلة في عقلية المتتبع للوحاتها والمتلقي لأفكارها المتجددة في لوحاتها.

أعمالي السبعة
الفنان يوسف النحوي شارك في المعرض بتقديم 7 أعمال خمسة منها في النطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله- ، تناول فيه أقواله التي قالها في عام 1983 عندما نادى الشعب لبناء عُمان، "أثر بي كثيرا خطاب جلالته آنذاك، ولذا انتقيت مقاطع من الخطاب، ووضعتها في مفتاح موسيقي، وشبهت الناس بالزهور وهي تأتي من مختلف الأنحاء، وتتصاعد من الأسفل إلى الأعلى، انبثقت من هذه اللوحة الرئيسية عدة لوحات أخرى صغيرة.. أحدها كتبتُ عليها "شعبي العزيز"، والثانية "أيها الأخوة" ، والثالثة "أينما كنتم"، والرابعة "أيها المواطنون"، وإلى جوار زخرفة الكلام، وضعتُ عملة نقدية في كل لوحة من هذه اللوحات عبارة عن عشر بيسات لتعبر عن الهوية، ولتحمل الشعار الرسمي للدولة".
وتابع قائلا: "اللوحتان الاخريان كانتا للشاعر الذي أحببتُ العديد من قصائده وهي قصيدة "كلمات" التي غنتها ماجدة الرومي، نشاهد امرأة تتمايل في ظل ألوان زاهية، ومتفتحة حيث قوة الأصفر تضرب في اللون الأخضر، وفي الأعلى تركتُ نقوشا اسلامية مستمدة من الجامع الأكبر ومن قلعة نزوى.. وهي ليست مجرد ديكور، وإنما حكاية أخرى. وثمة قصيدة أخرى لنزار قباني غنتها نجاة الصغيرة بعنوان "أيظن" .. تظهر في اللوحة امرأة قوية تضرب البحر تحت أقدامها بقوة فتتطاير حروف القصيدة وتتراقص.
من يشاهد الفنان يوسف النحوي في المعارض وحركته المشبوبة التي لا تفتر ولا تهدأ، يدرك أنها سمة جلية في لوحاته الحركية، فهو يبتعد عن النمطية الجامدة والفكرة المتوجسة خيفة، تتحرك الألوان وتمتزج في لوحاته بصفاءٍ فكري وروحٍ فنيةٍ متوقدة وكياسة ذهنية تثير الدهشة وتملأ مكامن الجمال في الأعماق، هو محبٌ للحياة، والألوان الزيتية تجعل من لوحاته ألواناً أجمل للحياة والأحياء، لذا فإنها ناطقة بكل شيء، لا أسرار تخبئ في لوحاته، واضحٌ وشفافٌ ورقيق، يشعرك بأنه يضع الأدوات في مكانها الحقيقي، يبرع في ترتيب الأشياء.

الخط الجميل والفن
وكانت لنا وقفة أخرى مع الفنان عدنان الرئيسي العاشق للحروفيات.."لم اكتب الحروف في لوحاتي بوضوح متقصدا ذلك، لأني اردتُ تقنية الكتابة وليست الكتابة نفسها، فأنا أفضل المدرسة الحرة على المدرسة التقليدية، إذ لا أقدم الحرف وإنما إيحاءته. الحروف في حياتنا مضيئة لذا فضلُ أن أصورها على أنها كالشهب والكواكب في حياتنا. ولي أيضا أعمال سميتها "حكاية شرقية".. أقدم شكل حرف الراء بالمقلوب، وأنشد الحضارة الإسلامية القديمة.. فهذه القصص هي حوار مع بقايا حضارة الأندلس.. وأنا في بحث دائم عن التقنية والتجديد في كتابة الحروب.. إذ يمكن للفنان أن يكون خطاطا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الخطاط فنانا. ولكن توافر الخط الجميل والفن معا في صالح الفنان دائما".
عدنان الرئيسي هو الآخر شق طريقه بقوةٍ في سماء الفن، وبدأ مسيرته الفنية من المدرسة الواقعية، وله أعمال عديدة من البيئة العمانية وغيرها من الأعمال الواقعية، تدرج من الواقعية إلى المدرسة التجريدية، استخدم فيها العديد من المواد والتقنيات التي يسعى لها في سبيل إيجاد مساحات لونية وتكوينات فريدة يسودها الجمالية في الطرح. وكذلك له العديد من الأعمال في مجال التشكيلات الحروفية بمختلف تقنياتها.

غصة الإنسان وبراكينه
تجعلنا الفنانة فخر أتاج الاسماعيلي على تماس مرهف مع قصيدة الشاعر محمود درويش ، تلك التي يتحدث فيها عن عدم الإخلاص، عن الغصة، وعن البراكين التي قد تثور في قلب الانسان.. لذا وجدنا ألوان لوحاتها نارية ملتهبة بخلفية سوداء تعكس ذلك المأزق الكبير الذي يقع 
1362230728832637800
فيه الانسان.. كما أنها تميل لاستخدام تشكيلات من حرف النون الحرف الذي اشتغل عليه كثر من الفنانين بطرق جديدة ومبتكرة.
خلال اثني عشر عاماً، تمكنت الفنانة الجميلة فخر اتاج الإسماعيلية من تكوين خارطةٍ مستقلةٍ لها بعالمها الفني المتوهج بالحروف الصامتة، تشكيلاتها المتباينة وعزفها المنفرد بالألوان الزيتية حوّلت لوحاتها إلى عالمٍ باذخ بالجمال والإنسانية، لوحاتها ناطقة بالتمازج الفتّان في لحظات الإنسان الشعورية بين فرحٍ وحزن، وبياضٍ وسوداوية، وقسوةٍ وحب، وحياةٍ وموت، وسفرٍ وتوطن، وطفولةٍ وكهولة، أخذت من زوجها الفنان المعروف سعود الحنيني تجربةٍ ثريةً بالتنوّع والانتقالية، وهي جامعةٌ للواقعي والسريالي والتجريدي، لا تعترف بالسكون، ولا يشيب لها لون، ولكل لوحةٍ من لوحاتها المثيرة حكايةٍ مطولة عن حقيقيةٍ أو رحلةٍ خيالية أو عالم واقعٌ بين عالمين، إنّها تمتلك ناصية الجمال بكل افتتان.


تسعه فنانين يستنطقون الشعر والذاكرة تسعه فنانين يستنطقون الشعر والذاكرة بواسطة Unknown في 7:26 م تقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.